(1)
خرجت أبحث عن (جزّار) لكي يقوم بمهمة الذبح والسلخ – مع التشديد عليه على أن يقوم بتقطيع (اللحمة) بشكل دقيق وصغير وتكسير (العظام)، أهم شيء أن توضح له ذلك قبل أن تتفق معه – النساء في السنوات الأخيرة أصبحن يتشددن في ذلك.
حتى (الكرشة) يطالبن أن تأتي لهن (نظيفة).
أذكر أمهاتنا في زمن مضى كنَّ يفعلن كل شيء – غير نساء هذا الزمن اللائي أضحين يكتفين فقط بأكل (الخروف) وصور (السيلفي) في المطبخ.
عادةً صورة (السيلفي) تلتقط مع شيء تفقده.
الرجل أصبح يقوم بكل شيء – بما في ذلك إيقاد نار الفحم – بحجة مهاراته في (شية الجمر) – حتى يجد مبرراً للقيام بهذا الدور أمام أطفاله.
وقفت في أحد الأركان للاتفاق مع أحد (الجزّارين) واصطحابه معي – أعرف منذ زمن بعيد أن (الجزّار) الماهر دائماً ما يقف في أحد الأركان وهو يحمل (كيسه) وساطوره وسكينه ويشمر عن سواعده.
من الضرورة أن تكون عيونه (حمراء).
نفس المكان الذي اعتدت أن أجد فيه (الجزّار) وقفت عليه – حيث أشرت إلى أحدهم دون أن أتفق معه ليركب في السيارة ونذهب إلى المنزل من أجل أن يذبح الخروف.
لم أنظر إلى (الجزّار) كنت مشغولاً بالرد على بعض رسائل (الواتساب) التي تفضل دائماً أن ترد عليها وأنت خارج البيت وبعيد عن المراقبة.
(2)
وصلنا البيت وجدت الأسرة كلها في الانتظار .. عادةً في مثل هذه الحالات يسألونك عن سبب التأخر حتى لو لم تتأخر… (مالك اتعطلت كدا؟) وأن كنت أسرع من هدهد سليمان.
الخروف كان يترقب – يبدو عليه أنه كان يشعر بأهميته وبالثمن الذي دفع فيه.
عند النزول من العربة – بدأت أنتبه لـ(الجزّار) – ملامحه لا تبدو غريبة عليّ.
نفس الشارب.
والطاقية.
والساعة المتدلية في راحة اليد.
قلت في نفسي (هذه الشخصية مرت بيّ قبل كدا).
لكن أين؟ … لا أدري.
كعادة كل (الجزّارين) وحتى يثبت شخصيته طالب بإحضار (الصواني) مبكراً وشدد على إحضار (جردل) ماء كبير.
ثم تلفت يمنةً ويسرةً وهو يجس (الخروف) مطالباً بحبل قوي.
كان (الجزّار) يطالب بكل شيء – لا أعرف ماذا كان يحمل في (كيسه)؟
أراهن أن هذا الكيس الذي جاء به فارغاً سوف يعود به وهو ممتلئ.
حتى (السكين) التي كان يحملها لم تكن بحالة جيدة – تم مده بسكين حادة نحتفظ بها في البيت لمثل هذه المواقف.
عندما ذبح (الجزّار) الخروف – تنهد تنهيدة قوية وطالب بأن يعملوا له (شاي) حتى يتفرغ لمهمة (السلخ) بعد أن قام بمهمة (الذبح) على أكمل وجه.
عندما طالب (الجزّار) بالشاي وشدد على أن يكون (تقيلاً) – شعرت مرة أخرى أن هذه العبارة مرت بي قبل ذلك.
هذا المشهد (مكرر) كأنه يعاد مرة أخرى.
ساعدنا (الجزّار) في رفع (الخروف) و في (تعليقه) على أحد الشِعب – كما فعلنا في الموسم الماضي تماماً.
شعرت أن (الجزّار) لم يفعل شيء غير (الشاي) الذي شربه.
(3)
قمنا بنظافة (الكرشة) ، وساعدنا (الجزّار) في تقطيع اللحمة وتكسير (العظام) – بما في ذلك أن (السكين) تركت آثارها في أصابعنا.
كنت كلما أنظر إلى (الجزّار) أشعر بأني أعرف هذه (الشخصية). بدأت معه في نقاش ودي – قلت له : (أنت من وين؟) – ساكن وين؟ – كل هذه الأسئلة حتى أعرف أين التقيت بهذا الشخص؟
الشارب هذا ما غريب عليّ!!
وكان (الجزّار) كلما يفعل شيء أو يطلب حاجة – أحس أن هذه (السيناريو) هو (سيناريو) العام الماضي.
(الجزّار) طالب بالقهوة بعد الشاي وهذا ما فعله (جزّار) العام الماضي ذاته.
تخير أفضل قطعة لحم من الخروف ووضعها في (كيسه) – وهذا بالظبط ما حدث من (جزّار) العام الماضي.
ذبّح.
سلّخ.
قطّع اللحمة.
كسر العظام.
احتفظ بالجلد والرأس.
بنفس الطريقة التي كانت في العام الماضي.
(4)
تمعنت (سكينه) – كانت سكينة زرقاء – نفس سكين العام الماضي.
نفس السكين.
ساطوره مقبضه (أخضر) – نفس ساطور العام الماضي – أذكر ذلك جيداً.
نفس الساطور.
حتى تلفونه الذي يربط (كفره) بخيط رفيع.
وما زلت أسأل نفسي (أين قابلت هذا الرجل)؟
هذه الطاقية ليست غريبة عليّ!!
فكرت في أهالي بلدتي.
في أقاربي.
وفي جيراني السابقين.
هل يكون واحداً منهم؟
لا أظن أني التقيت به في مرحلة دراسية أو زاملته في مجال العمل.
لا أعرف إن كان هذا الرجل حدثني عن (العبور) وقال (سنعبر وننتصر) أم لم يحدثني؟ – الشخصية غير غريبة عليّ.
لا أدري إن قال بـ(الغانون)؟ أم أن هذا الشيء كان مجرد (تهيؤات).
(5)
أثناء اندماجي مع (الجزّار) في التكسير والتقطيع أرسلوا لنا من الداخل من يقول لنا (ما تنسوا الضلع)؟
كدنا أن ننسى.
تذكرت لجنة نبيل أديب!!
بدأ (الجزّار) يلملم في عدته – ثم اجتنب مكاناً قصياً حتى انفرد به بعيداً من الناس أجل أن أحاسبه.
عاداتهم كلها بهذا الشكل.
نفس (الشكاوي) التي سمعتها في العام الماضي أسمعها منه الآن.
كان يغالي في (أجره) بنفس ما حدث في العام الماضي.
استفزني أني لم أعرف أين قابلت هذا الشخص؟ – اجتهدت كثيراً – ولكن فشلت.
ركب معي في العربة من أجل أن أوصله المكان الذي أحضرته منه – عندما نزل من السيارة – كعادات مجاملاتنا طلبت منه رقم تلفونه (الظروف ما معروفة).
عندما سجلت رقمه في تلفوني – وجدت أن اسمه مسجل في تلفوني – أنه (جزّار) العام الماضي نفسه.
يا !!
نفس الزول!!
نفس (الضبّاح)!!
قلت له إنت (فلان).. قال لي : عرفتني كيف؟؟
قلت له : إنت ضبحت لي السنة الفاتت – سبحان الله.
نفس الزول.
(5)
بغم/
رجعت إلى البيت – وأنا أقول في نفسي عن (الجزّار) إنه طلع (نفس الزول).
نظرت إلى (الضحية) وبقايا الدم ما زالت في الأرض – نفس اللون والدم والسكين – قلت يا ترى هل (الضحية) أيضاً هي نفس (الضحية)؟
الانتباهة