في عام 2005م أصدر مجلس الأمن عقوبات على السودان في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير بالرقم (1593) لعام 2005م حول الانتهاكات الانسانية في دارفور، وعلى إثر ذلك شكل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان لجنة تحقيق دولية بموجب قرار مجلس الأمن برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيوس، وبعد زيارة اللجنة السودان وإجراء تحقيقاتها في كل المناطق بما فيها معسكرات النازحين واللاجئين، حملت اللجنة في تقريرها حكومة البشير مسؤولية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك قتل المدنيين وحرق القرى والسلب والنهب، وحوت قائمة الاتهام (51) من الشخصيات الحكومية التنفيذية والسياسية. ويوضح المحامي المتخصص في القانون الدولي كمال الجزولي لأندبندت عربية، أنه بعد تسلم المدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو ملف القضية وسؤاله عن قائمة الـ (51) مطلوباً، ذكر أنه غير معني بها، معتبراً تحقيق لجنة كاسيوس غير ملزم بالنسبة له، لكنه سيبدأ تحقيقاً مستقلاً هو الذي ستكون المحكمة الجنائية معنية به، ومن ثم أعلن مع نتائج تحقيقاته بعد أشهر عدة قائمة جديدة لم يكن البشير ضمنها، بل أضيف اسمه لاحقاً بعد نحو عام من ذلك، ليصبح عدد المطلوبين (5) أشخاص هم الذين ظلت تطالب بتسليمهم المحكمة الجنائية الدولية.
والخمسة هم: عمر البشير رئيس الجمهورية المخلوع، عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع آنذاك وأحمد هارون الحاكم السابق لكل من جنوب وشمال كردفان والعضو البارز في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وأحد المقربين من البشير، بالاضافة إلى عبد الله بندة وعلي عبد الرحمن كوشيب الذي مثل أخيراً أمام المحكمة، ووجهت له العديد من التهم متعلقة بجرائم حرب و (22) جريمة ضد الانسانية ارتكبت في اقليم دارفور عامي 2003 ــ 2004م ضد المدنيين في بلدات كودوم وينديسي ومكجار واروالا وديليج والمناطق المحيطة بها.. وتشمل هذه الجرائم: القتل العمد والاغتصاب والترحيل والنقل القسري للسكان والسجن والحرمان الشديد والتعذيب والاضطهاد والافعال اللانسانية والاعتداء على الحياة والاعتداء على الكرامة الشخصية والمعاملة المهينة والهجوم المتعمد ضد السكان المدنيين والنهب والسلب.
وأكدت المدعية السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فانو بنسودا أن المحكمة ستستمر في مطالبة الحكومة الانتقالية في السودان بتسليمها كل المتهمين الذين صدرت بحقهم أوامر قبض في الجرائم التي ارتكبت في إقليم دارفور، ليمثلوا أمامها أسوة بالمتهم علي كوشيب الذي بدأت محاكمته.
المدعي العام بالخرطوم
وصل الخرطوم أمس الأول المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان والوفد المرافق له الذي يضم كلاً من كبير محامي الادعاء جوليان نيكولز، مستشار المدعي العام توماس لينش، مستشار التعاون الدولي في مكتب الادعاء داهيروسانت انا. ويناقش المدعي العام خلال الزيارة مع المسؤولين تعزيز سبل التعاون حول ملف التحقيق الجاري المتعلق بدارفور. ويشتمل برنامج المدعي العام للمحكمة الجنائية على لقاء بالدبلوماسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني. وسيعقد المدعي العام مؤتمراً صحفياً في ختام زيارته للبلاد يوم غدٍ الخميس.
واكدت الحكومة حرصها القاطع على تسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية عبر اجتماع مجلس الوزراء المغلق لمدة ثلاثة أيام الذي عقد في يونيو الماضي، بالاضافة إلى أن جل القوى السياسية متفقة على تحقيق العدالة الجنائية، بما فيها الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، حيث طالبت بضرورة مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية.
هل يتم تسليم البشير؟
وبحسب وكالة (سونا) للأنباء فإن وزير الخارجية مريم الصادق المهدي قد أكدت لدى لقائها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان الذي يزور السودان، أن مجلس الوزراء قرر تسليم المطلوبين الى الجنائية الدولية.
وأكدت الوزير على تعاون بلادها مع المحكمة لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور.
لكن ليس معروفاً عما إذا كان المدعي سيتلقى وعداً قاطعاً ومحدداً بتفصيلاته من الحكومة بتسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية بما فيهم الرئيس المخلوع البشير، باعتبار أن التصريح لم يؤكد على تسليمه، ولا يعرف عما إذا كانت الحكومة ستقوم باستثنائه على الأقل في هذه المرحلة بحجة أنه يمثل أمام محكمة قضية انقلاب 30 يونيو 1989م التي تعثر سيرها أكثر من مرة، وذلك باعتذار رؤساء المحكمة عن الاستمرار في القضية لأسباب مختلفة، كما أن البطء كان أيضاً بسبب بعض الاعتراضات القانونية العديدة وطلبات التأجيل من أطراف القضية في الدفاع والاتهام.
لكن يرى العديد من المراقبين أن تسليم البشير وزمرته سيزيح عبئاً عن كاهل الحكومة وسيجنبها عقد محاكمات مطولة قد تواجهها عقبات في الطريق تتعلق بالشهود والأدلة، وهو أمر غير ممكن في المحكمة الجنائية التي تعقد في لاهاي تحت ووفق الأدلة والافادات التي جمعها الاتهام في المحكمة في أوقات سابقة من قبل العديد من الشهود والمتوقع أن تكون مصحوبة بالصورة والصوت.
فهل يكشف غداً المدعي العام في مؤتمره الصحفي عن مستجدات حاسمة في القضية توضح دون لبس أنه تلقى تأكيدات قاطعة بتسليم كل المطلوبين للمحكمة الجنائية بما فيهم الرئيس المخلوع عمر البشير؟ أم سيكرر ما فعله سلفه السابق أوكامبو حين رفض اعتماد تقرير لجنة التحقيق الدولية التي حددت (51) متهماً؟
الانتباهة